الخميس، 13 سبتمبر 2012

سوق "البشبشيم"\سوق الرّابش

موشيه:
موشيه كان يكره العرب، تجنّد في جيش الدفاع الإسرائيلي قبل سنوات عدّة. يحبّ موشيه اليوم السلام، وقد تعلّم العزف على الة العود لأنه يحب حضارة الشرق - يحب ما تخبأه حضارة الشرق من وحشية خلف نظرات الخجل والأدب.
يتناول موشيه كرسيّ  قشّ ممزّق - كان قد اشتراه من عجوز عربية تبيع للسياح مما تصنع لتوفّر لقمة عيشها - ويجلس في زاوية أحد البارات في سوق يافا الذي لا أعرف ما كان اسمه قبل احتلال ال48، ولكني أعرف أنهم يسمّنوه اليوم "سوق هبشبشيم"\سوق الرّابش.
يخرج عوده الخزفيّ من حقيبته، فيلمع في الشمس - تسأله النادلة إذا كان يريد أن يشرب شيئا، فيطلب كأسا من القهوة التّركية، يتناول العود وينظر يمينا ويسارا علّه يرى بعض حب الإستطلاع حول الته الغريبة.

صالح:
يمشي صالح في السّوق، يحاول أن يبحث عن شيئا ما مشترك بين سوق يافا وسوق الناصرة، ولكنّه يفشل. كليهما أسواق مكتظّان بالجلبة وصراخ البائعين، ولكنّ سوق يافا بدا غريبا.
يرى مجموعة من الناس يتجمّعون حول عازف عود يلدغ بمعظم الأحرف، ويعزف الأغاني بطريقة خاطئة، كان يعزف أنصاف النغمات الغربية بدلا من أرباعها الشرقية، فيفقد العزف رونقه.
فجأة، تجلّت الصورة أمام أعين صالح - رأى مجموعة من الشباب والصبايا العرب يرقصون ويغنون مع العازف متجاهلين نشازه وتحريفه للكلمات. صاروا يسمعون اللحن جميلا - لأن العازف أبيض. تساءل صالح ما الذي كان سيفعله نفس الشبان لو وضع أحد سكّان بلدهم كرسيّ قش في "الدّوار" وبدأ يعزف ؟ حتما كانوا سيسخرون منه.
أراد صالح أن يصرخ، أن يتفجر، أن يستعيد العود من العازف - فحضارتنا ليست معروضة للبيع ككرسي القش الممزق الذي يجلس عليه العازف. تذكّر صالح أباه الذي رباه على قدسيّة الموسيقى العربية ورأى بأم عينيه العازف الأبيض الغربي يدنّسها بكلّ وقاحة وفي وضح النّهار وفي سوق يافا الذي لا أعرف ما كان اسمه قبل احتلال ال 48.
ما أن أراد أن يصرخ، حتى علا صوت رون خولدائي (رئيس بلدية تل أبيب) في المنصّه التي خلفه قائلا: "أستطيع أن أقول اليوم بفخر، أن تل أبيب بلد متعدّد الثقافات. أستطيع أن أقول أننا ورغم معاناتنا اليومية من إرهاب الفلسطينيين - ما زلنا نعزف ألحانا يعلو وقعها وقع صواريخ القسّام".


Share/Bookmark

الأربعاء، 5 سبتمبر 2012

وباء اليسار الإسرائيلي

إن أخطر وباء واجهناه حتى اليوم - نحن الذين بقينا في فلسطين المحتلة عاام 48 - هو وباء يهود اليسار الإسرائيلي.
يبدؤون بالتغلغل فيما بيننا بالمظاهرات والمناسبات الوطنية، ثم يتبنون نكبة شعبنا شعارا لهم (لا لنا) وأخيرا يبدأون بتغيير معايير الثوابت الفلسطينية بما يلائم الحفاظ على امتيازاتهم كيهود أرض الميعاد. يغيّرون الإسم والصيغة، يغيّرون المعايير وتبقى النتيجة نفسها.

ذاكرة

أذكر عندما شاركنا أنا وبعض الرفاق في ذكرى للنكبة أقيمت في جامعة تل أبيب، نظمها اليسار الإسرائيلي - أذكر عندما قال لي أحد الإسرائيليين اليمينيين في المظاهرة المضادة: "إحذروهم (أي اليسار الإسرائيلي)، هم مثلنا - ولكنهم أكثر مكرا". لم أصدقه حينها، ولكني اليوم أرى الصورة بشكل أوضح.
يومها، لم نتحمل الوضع أنا ورفاقي، سعيد، علي محمود وأسرار. أردنا أن نهتف، أن نصرخ أن ننفجر. فإذا بإحدى اليهوديات اليساريات المنظمات، إحدى اليساريات تأتي لتوبخنا : "אל תהרסו את אירוע הנכבה שלנו" / "لا تفشلوا لنا ذكرى نكبتنا نحن".
لم نستمع الى الكلمة حينها، وتبيّن فيما بعد - في وسائل الإعلام أن أحد "مناضلي" اليسار الإسرائيلي في كلمته أكّد "יזכור עם ישראל"/"ليتذكر شعب إسرائيل".

الصهيوني الجديد

إن اليسار الإسرائيلي هو يسار صهيوني، ولكن من نوع جديد، أكثر خبثا وأكثر مكرا. يستقطب الفلسطينيين المشوشين من جراء الإستعمار - يستغل تذويتنا لدور الضّحية، فيلعب بنا كما يريد. يعطينا بعض الحلويات، ليغتصبنا فيما بعد. لينسب نكبتنا له، ويحدد لنا إن كنا نريد كامل التراب الفلسطيني. ليحدد لنا إن كنا تحت إحتلال أو أبارتهايد، إن كانت حيفا تحت احتلال أم الضفة فقط.


نستطيع أن نفهم عقلية هذا اليسار عندما نلاحظ نقاشه مع الشارع الإسرائيلي المبني على مبدأ مناهضة الصهيونية لا حبّا في العرب، بل للحفاظ على اليهود الإسرائيليين في ظل الوضع الإقليمي الذي تشهده البلاد. ليس صدفة ازدياد قوة اليسار الإسرائيلي في أعقاب الربيع العربي، وانتصار المقاومة اللبنانية في حرب تمّوز - إنهم يخافون على حالتهم الإجتماعية/إقتصادية. ليس صدفة أن معظم أبناء اليسار الإسرائيلي جاءوا من عوائل شكنازية غنية لا عمّالية.

من هو اليهودي الغير صهيوني إذا

هو ذلك اليهودي الذي يفهم أولا أنهم يلعب دور المستعمر/المحتل. فينضم الى النضال الفلسطيني بوعي تام لدوره في المعادلة، فلا يحاول فرض رأيه في اليات المقاومة عن الفلسطينيين عن طريق استغلال هيمنته وسيطرته العرقية، بل يتعامل مع النضال كأي فلسطيني.
هو اليهودي الذي يوافق على كامل الثوابت الفلسطينية، من حق العودة، كامل التراب الفلسطيني والقضاء على الصهيونية - بما في ذلك خلفيته الصهيونية.
هو ذلك اليهودي الذي يرفض إسرائيل، ويرفض الهوية الإسرائيلية التي بنتها له إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني.
هو ذلك اليهودي الذي يشرّع المقاومة الفلسطينية بكل الياتها - ولا يقارن صاروخ في سديروت بطائرة تقصف غزّة.
هو ذلك اليهودي الذي يستطيع أن يجرّد نفسه من مخلّفات الصهيونية. هو ذلك اليهودي الذي يرفض المظاهرات المشتركة مع سفاحي شعبنا من الليكود وحزب العمل- لا بل ويقاومها.

الأخطار

إن أخطار هكذا يسار تكمن في تحول اسرائيل الى عنصر عضوي من المنطقة ما يقضي على كل الثوابت، التي هي أساس النضال التي حافظ عليها شعبنا على مدار 60 عاما.
فيتعامل مع نفسه كإسرائيليّا من جهة، ويشارك في كل ما يعرف إسرائيل كدولة يهودية دمقراطية : مظاهرات اليهود في روتشيلد، وانتخابات الكنيست الصهيوني وما الى ذلك، وبذات الوقت يحتك مع العرب، ويحول علاقته معهم الى طبيعية، علاقة تجعل من الإسرائيلي عنصر طبيعي في البلاد له الحق في الحياة بشروطه وبهويته الإسرائيلية ما يتعارض مع ثوابتنا.

فيحول هذا اليسار الإسرائيلي تل أبيب المستعمرة، التي انبنت على أنقاض قرانا المهجرة الى واحدة من عواصم الشرق الأوسط. مثلها مثل بيروت وعمّان ودمشق. فيزور موشيه محمد إبن مخيم اللاجئين في المخيم ويشربان فنجان قهوة ويضحكان سويّة.  أليس هذا قاومه اباؤنا على مدار 60 عاما ؟

Share/Bookmark

السبت، 1 سبتمبر 2012

رسالة الى ليلى،


أكثر ما أحب في مشروع ليلى ثوريتهم الصادقة، تلك الثورية التي لا تبحث عن ذاتها في الكتب معقّدة الكلمات، ولا تبكي الماضي، بل تبتسم لواقعنا الأسود وتعشق مازوخيّته التي صارت جزئا منّا.
أكثر ما أحب في أغاني مشروع ليلى ثوريتهم الصادقة التي تعكس جيلا جديدا ذوّت الاضطهاد فأنتج حرية، أنتج ألحانا سريعة صاخبة وأخرى هادئة تنتظر الإنفجار كتلك التي يخاف منها الوحش الأبيض في غرب بعيد.
أعلنت ليلى في مجموعتها أنها ستكون هي الفرقة التي تفتتح عرض ريد هوت تشيلي بيبرز في بيروت. يجوز التذكير بأن ريد هوت تشيلي بيبرز فرقة ستعرض في إسرائيل وتحديدا في تل أبيب رغم المقاطعة الثقافية العالمية لإسرائيل.

ريد هوت تشيلي بيبرز قرروا أن يكونوا معهم – مع الإسرائيليين، قرروا أن يعرضوا في تل أبيب – عاصمة الإضطهاد والقهر الذي تغني عنه ليلى. قرروا أن يفتتحوا عروضهم في الشرق الأوسط في كيان يكبت أبسط الحريات. الكيان الصهيوني ما زال يبسط الطوابير ويوقف سيارات الفلسطينيين يوميا. ألم تغنوا عن ذلك ؟

لا أستطيع أن أفرض عليكم النازل عن فكرة العرض مع ريد هوت تشيلي بيبرز، فمحبتي لكم لا تكفي لإقناعكم. ولكني أتمنى أن تعيدوا النظر في الأمر، وإن كانت المعادلة معادلة ربح وخسارة – فاطمئنوا، لإنه بإلغائكم العرض معهم ستربحون الكثير الكثير المحبة. ألا تكفي المحبّة ؟


Share/Bookmark