الثلاثاء، 26 فبراير 2013

صحيح الصّراحة بتجرح -لكنها بتفيد

إن شريحة الفلسطينيين القابعين تحت الإحتلال في عام 48 - أي نحن - نعاني التّناقضات كلّ يوم. أفكّر في ذلك الان وأنا أبحث عن لغة العربية - الفلسطينية في إعدادات الحاسوب، في مكتبة الحقوق في تل أبيب ولا أجدها، فأستعمل اللغة العربية السّعودية لأكتب (saudi arabia = arabic 101). أقع دائما ومن جديد في فخّ المفردات التي عليّ ستعمالها لأصف شريحتنا الفلسطينية دون أن أقلّل من انتمائي للقضية: الفلسطينيون القابعون تحت الإحتلال عام 48 ؟ عرب 48 ؟ فلسطينيو 48 ؟

إن شريحتنا تعيش شعورا مزمنا بالنقص حيث ينقسم هذا الشّعور بين شعور تجاه المستَعمِر الإسرائيلي الذي نريد أن نثبت له دائما أنّنا لسنا أقل منه إنجازا وحضارة وبين باقي شرائح الشّعب الفلسطيني الّذي نطمح لنثبت لها أنّّنا لا نقلّ ثورية وانتماءا للشعب الفلسطيني عنها.
أشعر أحيانا أنّنا نتصرّف بطريقة مازوخيّة كي نغطّي على هذا الشّعور، فنحاسب أنفسنا على أخطاء لم نرتكبها ونعاقب أنفسنا على ظلم تاريخيّ لا علاقة لنا به.

أحيانا، ولنثبت هذا التّناقض نتعامل مع أنفسنا وبلداتنا (عن غير قصد طبعا) كجزء عضوي من المؤسّسة الإسرائيلية مع أنّنا نعرف أنّنا لسنا كذلك. تجسّد ذلك مؤخّرا في نقاش قصيّة التّطبيع عندما زار الفنّان يزن الرّوسان وفرقته أوتوستراد مؤخّرا النّاصرة لإحياء عرض. إن قسما كبيرا من الشّريحة التي أنتمي لها شخصيا عارضت الموضوع بحجّة كونه تطبيعا. ولكن كيف يكون ذلك تطبيعا والنّاصرة فلسطينية ؟ وكيف يكون ذلك تطبيعا والفنّان أردني الجنسيّة والجمهور فلسطيني ؟ هل نحاسب يزن الرّوسان وأنفسنا على إخفاق المملكة الأردنية الهاشميّة عام 1994 ؟

فضّلت الصّمت حينها، ولم أبدي رأيي في الموضوع إلا عندما سألت مباشرة في نقاشات سلمى (قهوة في يافا) ومقاهي الجامعة وكنت أستمر بإعطاء الإجابات الضّبابية التّي تنتهي ب "سيبك - لم أقرر بعد ما موقفي".

في صيف 2012 قامت فرقة مشروع ليلى بإحياء حفل في عمّان، شارك به العديد من اليهود الذين يعتبرون أنفسهم إسرائيليين ويطمحون لتحويل إسرائيل الى جسم طبيعي في الشّرق الأوسط (للمزيد من المعلومات إضغط هنا). في الصّيف الماضي لم أتردّد حيث كان واضحا أن هذا التّوجه هو تطبيع دون أدنى شك فعارضته - وعارضت زيارة من يعتبر نفسه إسرائيليا لمشروع ليلى ويطمح للإندماج في ما سمّوه حينها "الجوّ الكوزمو سياسي" في حوض البحر المتوسّط.

إنّ الفرق بين الحالتين واضح وبديهي. ففي الأولى (أوتوستراد) كانت جميع الأطراف عربيّة. أما في الثّانية فقد كانت المعارضة على اشتراك الإسرائيليين الهادفين لصهر "دولتهم" في الشّرق الأوسط.

حسب رأيي إن مشاركة فرق عربية في إحياء حفلات في بلدات عربيّة وبالتّنسيق مع أطراف عربية فقط لا تعتبر تطبيعا. إن مشاركة الفلسطينيين في احتلال 48 (وليس الإسرائيليين طبعا) بالجو الثّقافي العربي العام إن كان بحضور حفلات لفرق عربيّة، العرض في بلدات عربيّة أو حتّى إنشاء فرق جديدة عربيّة تحوي الفلسطينيين وغير الفلسطينيين (حلم صغير) لا تمتّ لصلة بالتّطبيع.

إن المشاركة في الحيّز الثّقافي العربي العام هي بمثابة مناهضة لمحاولات الأسرلة المستمرة من قبل السّلطات الإسرائيلية. إنها بمثابة رسالة مفادها أنّنا لا نحتاج لمواردهم و برامج التّلفاز خاصّتهم لنطوّر ذاتنا ثقافيّا.
إن هذا الاندماج بالجو الثّقافي العربي هو ما سيجعلنا نتخلّى عن التّطبيع الثّقافي الّذي نمارسه في في حيّز الثّقافة الإسرائيلية ونستمر بتبريره دائما ب "خصوصية عرب 48" لأنه سيفتح لنا الأبواب لجماهير جديدة، لعروض جديدة ولشرك إنتاج جديدة (رغم ما تحمله شرك الإنتاج من جدل). نعم، أنا أطمح لمسرح فلسطيني أردني بتمويل حر ومضمون حر يعرض في حيفا، عمّان، القاهرة ومجدل شمس. إذا كان هذا يعتبر تطبيعا فأنا مع التّطبيع.

إذا قمنا بقياس الأمر بميزان التّكلفة والفائدة فإن الفائدة دون شكّ من الإندماج الفلسطيني في الجو الثّقافي العربي العام سيزيد من انتمائنا لعروبتنا (القصد ليس بالمفهوم القومي المتعصّب) وسيساعدنا على تطوير خطابنا عبر الإستفادة من تجارب وفكر المجموعات العربية التي تحيطنا عوضا عن الإنغلاق.

على فكرة: حتّى كتابة هذه الكلمات ما زلت أتردّد إن كان من المناسب نشرها. خايف أغير موقفي كمان مرة نظرا للشعور بالنّقص المذكور أعلاه.
وشكرا لجوان صفدي الّلي فتّحلي عيوني وخلّاني أطحن راسي تفكير بعد ما كتب مقاله بمدونّته (إضغط للدخول الى مدوّنة جوان).

Share/Bookmark

الخميس، 21 فبراير 2013

ملاك - Angel

لم يكن موعدُ الصّيف قد حان بعد، أوراق الخريف توقفت عن التناثر وطبيعة الجليل وقفت واهنة محتارة لا تعرف كيف تلوّن غيومها.
قُرعت أجراسُ الكنيسة وعلت من خلف جدران القاعة أصوات مزيج من الصّراخ حين والزّغاريد حين اخر. في قريتي، عندما يموت احد الشُّبّان يزيّنوه ويرقصون تخليدا ذكراه.

وفي الجنازة، وقف الغرباء في أوّل صفوف محاولين جاهدين ان يقلّدوا الحزن، أما الاصدقاء فذّخنوا ما تبقّى في جيوبهم من سجائر بعيدا عن المشهد.

Angel - أمجد 1987-2013

كان أقرب الناس اليه يجلس عابسا مع المعزّين ووجهاء العائلة. وقف في وسط المشهد وهو الذي علّمه وأصدقاءه أن يكرهوا المشهد. في تلك اللحظة، فهم قصد السابقون بتساؤلهم المشؤوم: "لمن تُقرَعُ الأجراس" ؟

مات إبن البلد الذي أحبّتهُ البلد - والذي ككلّ شابّ مات تاركا مستقبله بماضينا: لن تنساه البلد.


Share/Bookmark