الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

في إشي مات فينا من فترة

لم أكتب هنا منذ فترة. لم أثقل كاهلي في السنة الأخيرة بالتظاهر ولو على هامش الرّصيف حيث يقف مخاتير بلادي ومعهم من يريد أن يشارك موضوع المظاهرة معنويّا. "لقد كنت مشغولا بمشاغل حياتي اليوميّة الشّخصيّة" أبرّر أحيانا، وفي أحيان أخرى أبرّر "ستتصرّف حتمية التاريخ إن شاركت أو لم أشارك". وضعت كل الحجج الممكنة لأتهرب من مسؤوليتي، ولكنّي لم أفضح عن السّبب الحقيقي - شيء بداخلي كان قد مات.
**
لقد كبرت بين أصدقاء عاشوا السّياسة الصّعبة بأدق تفاصيلها، فحاولوا تطبيقها على أرض الواقع. لقد كبرت بين رفاق تظاهروا يوميّا تحت الشّمس وتحت المطر لنصرة أسير قرّر كسر قيد السّجان، ورفاق في مكان اخر قرّروا أن تتحوّل دارهم - منذ فترة عندما كنت صغيرا - الى كومونا تشكّل بيتا لأكثر مّما تتّسع فعليا. هناك كنّا نشعر بالأمان، هناك كنّا نعرف كيف يكون المزاح المضحك حقّا لا مزاح المجاملة. مرّت الأيّام - وشيء بداخلنا كان قد مات.
** 
"السّياسة بتطعميش خبز"، هذا ما كان يردّده كبار الحيّ دوما عندما كنت أحاول أن أنقل ما تعلمت بعيدا عن البلد الى البلد، فتارة أرسم الجرافيتي على جدران البلد، وتارة أخرى أعلق بعض المناشير على مبنى البريد في أول البلد. أذكر أن يوما أن قرّرنا التظاهر رمزيّا نصرة لغزّة فلم نكن سوى أربعة أو خمسة أشخاص، أضئنا الشّموع وتضامن معنا العمّال بزامور هنا وزامور هناك. كنّت مؤمنا أنّني أستطيع ورفاقي أن نقلب الدّنيا رأسا على عقب، في قريتي الصّغيرة كما في حيفا ويافا. ولكنّ شيئا بداخلنا كان قد مات.
**
لا أذكر متى كان اليوم الّذي سقطت فيه أنا تحديدا، فقرّرت أن أكرس نفسي لحياتي الشّخصيّة أكثر. ربما كان ذلك بعد انتخابات الكنيست الأخيرة، عندما فشلنا فشلنا ذريعا ونجح التّيار الاخر بفرض خطابه على عامّة الشّعب - خطاب الأقلّيات - خطاب المواطنة والحقوق (أو خطاب أوسلو الجديد). بعد نجاحهم في الإنتخابات مات شيء بداخلي، وبداخل الكثيرين الّذين منهم من استسلم وانضمّ الى التّيار الاخر ومنهم من قرّر مثلي أن يترك كل شيء، ينتقل الى مرحلة الإنكار السياسي المستمر ويعزّي نفسه بحتميّة التاريخ. أنكرت كلّ شيء حينها، وبدأت أنتقل من تلك البيئة المريحة التي اتقن المراوغة فيها - بيئة السّياسة - الى فقاعات أخرى وقتلت بداخلي ما كان قد مات.
**
صارت نقاشات السياسة الّتي كانت تنفخ بي الأمل تتحول رويدا رويدا الى موضوع مملّ، لا فائدة منه. بدّلت الألحان المتقنة الحديثة صوت الشّيخ إمام الضبابي وما عادت أغاني زياد السياسة سوى أغاني أسمعها في المنزل وحيدا بعيدا عن ضجيج الشّارع. بين كلّ حين وحين أرى رفاقي وأصدقائي وحيدين كلّ منهم مثلي يبحث عن ذاته، يبدّل الفقاعات علّه يجد فقاعة تشبه فقاعتنا الجميلة. شيء بداخلنا جميعا كان قد مات.
**
كانت الوحدة السّياسية تزداد وتزداد كلّما صارت التّغييرات السياسية في محيطنا أسرع وأسرع - حتّى رأيت صديقي عايد يكتب على الفيسبوك عن خيبة الأمل منّا جميعا - يعيش ذات البلبلة الّتي أعيش كلّ ما قرأت خبرا جديدا في مواقع الإنترنت. أردت أن أكتب الكثير الكثير ولكنّي اكتفيت بالتعقيب: "في إشي مات فينا من فترة".




Share/Bookmark

هناك تعليقان (2):