جلس وعكّازه المعدني وحيدين بين الجموع وانتظر فنجان القهوة الذي جاء وحيدا على الطبق الكبير. شعر بشيب شعره لأول مرّة، فقد تمالك نفسه وامتنع عن التباهي بطلاقته أمام الجماهير - جلس وحيدا هادئا يستحضر الذكريات بمرارة القهوة السّادة التي تقدم بمناسبات من ذلك النّوع.
فضّل لسع لسانه بغليان القهوة بدل الكلام، لم يتبسّم ولم يبك، اكتفى بالتحديق بفنجان القهوة، علّ بقايا القهوة التي تمسّكت بأطراف الفنجان تجعله يتذكّر أمرا جديدا في تلك القصّص التي قلبها في ذهنه مرارا في اليومين الأخيرين.
أعاد الفنجان للشاب ذي الشعر الطويل، قال "الله يرحمه" وانكسر. لم يتوقع أن تكسره هاتين الكلمتين كما لم يتوقع أن يكسر قلب أخيه المرض، القلب الذي لم تكسره عشرات المرّات من الاعتقالات والحبس المنزلي.
"يا إخوان، كان المرحوم.."، علا صوت أحد الخطباء مرّة أخرى. هذه المرّة، لم يستطع كبت دمعاته، فاستأذن الى الحمّام ليبك، فحزنه هذه المرّة ليس للجمهور.
ر ا ئ ع بكلّ ما تحملهُ الكلمة من جماليّة.
ردحذف