وفي ليلة صيفيّة حارّة تكمش ملابسك من ولع الشّمس التي كانت غابت خلف البحار، ترى نفسك جالسا في مقعد القطار تتأمل الدقائق والثّواني مارّة واصلا بخيالك الى حيفا بعد أن كان درب نهاريّا قد إنقطع من تل أبيب.
وفي القطار، يدور حديث الألسن في جزء وفي الاخر يدور حديث العيون، ترى الرّكاب يحاولون غزل الكلام دون فائدة، تنظرها وتنظرك وتفكّران بأمور مختلفة كليّا ..
ترى أطفالا مراهقين مازالوا في سنّ المدرسة يجلسون محتلّين المقعد المجاور، متغطرسين محاولين لفت الإنتباه بحديث عن معدات التجميل .. ولكن .. يا للعجب ! كيف لي ؟ ومن أنا لأناديهم بالمراهقين الأطفال وأنا نفسي أكره هذا الوصف، ففي اخر السّطر لست أفوقهم العمر بكثير..
يهاتفني صديق قديم إسمه فادي، يعلمني بخسارة البرازيل بمباراة كرة القدم بهدفين مقابل لا شيء ضد الولايات المتّحدة.. خسارة من أحب ضد ما أكره،، خسارة الفقر بلعبة الفقراء ضد الإستعمار والإمبرياليّة والإستشراق الحديث ! ولكن، ببصيص من الأمل وبصوت ضئيل يقول لي "لا تقلق.. فما زلنا بالدقيقة الأربعين"
وبينما أكتب خواطري مجسّدا إياها بحبر يراعي الأزرف الذي كان قد أنهك يداي من الكتابة في المحاضرة قبل حوالي السّاعة أفكر بخاطرة أخرى، تخطر من اللامكان، خاطرة الغيب والغموض فأتشائل، أهل يا ترى تراني أفكر أنّي أفكر ؟ أم أنها مجرد خاطرة غابرة إخرى ؟ وإنت كانت خاطرة حقّا .. كيف سأجسدها ؟ وكيف سأحولها لكلمات تسيل إحساسا ؟ وماذا إن لم تكن قابلة للتجسيد ؟ وهل وصلت الإنسانيّة حقا الى تلك الأجوبة ؟ أوهل ستصل ؟ فأيهما أتانا أولا الفكر أم المادة ؟ الدجاجة أم البيضة ؟ يعني الدجاجة كانت طفرة، فبالضرورة البيضة أتت أولا، ولكن أهو الجواب بتلك البساطة ؟
يعني، فالت لي معلمتي يوما - وحينها كنت في الصّف الأول - قالت وكتبت على دفتري أن خيالي واسع، وهل هو جواب أم سؤال ؟ ولكن هذا الخيال ساعدني على تخطي تلك الدّقائق في القطار.. ويناشدني ذلك الرّاكب السّمين بجانبي بلغة عبرية ركيكة بلفظ روسيّ... أريد أن أخرج .. ويا لوقاحة اليهود.. يدخلون ويخرجون بمزاجهم ..
حزيران 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق