نظر اليّ بائع السجائر في يافا عندما أعطاني ما تبقّى من العشرين شاقلا، وسألني وصديقي عن مدى عروبتنا، فلم نمشّط شعرنا حينها، ولم نقلّم أظافرنا، ولم نجهّز أنفسنا للموت - لم يعرف ذلك البائع أن تلك الرائحة النتنة جاءت منه وليست منّا.
***
وفي يافا، ذات اليافا، دبكت وأصدقائي، والمتفرجون ينظرون الينا كما ينظرون الى الأسود في أقفاص حدائق الحيوانات. ألهذا علمتمونا الدبكة في الصغر ؟ لنرقص في الأقفاص ذو الضوء الخافت ؟
هنا في يافا، في بيوت الدعارة خافتة الأضواء تحديدا - لا نبيع نحن العمّال أجسادنا. بل نبيع أرواحنا ونقايضها بيسارية ثملة ترقص على أنغام وين ع رام الله وتعاتبني "أنا أحب فلسطين، ليش مش فاهم علي؟" - أتحبين فلسطين حقّا ؟ أتعرفين معنى فلسطين أصلا ؟
كلّ ما أطلب منك يا مغتصبتي، أن لا تكذبي. لا تدّعي أن الجنس بيننا بموافقة كلا الطرفين. لا تدّعي أننا نحب واحدا الاخر. لا تحاولي فهم فلسطين، ولا تحاولي أن تحبيها. فأنا أغار على فلسطين من أمثالك.
***
يافا العزيزة، سأبيع روحي كما يفعل الجميع لأكون معك. لأجلس على أرصفتك ، أدخن سيجارة وأنفث الدخان الى البحر. الى سفن الحصار. الى حاملات الطائرات الأمريكية وقاطرات الأسلحة الإسبانية في البسك والأندلس. فما معنى الروح دونك يافا ؟
***
سأغلق اللابتوب الان، أذهب الى سوق يافا، وأبيع روحي في أحد المقاهي.
وسأبصق في وجه كلّ من يقول لي أنه ليس هناك تناقض بين ما هو سياسي وما هو إجتماعي.