منذ وقبل تأسيس إسرائيل اجتهدت المؤسّسة الصهيونية لأن توفّر - ونظرا للتطور الديموغرافي المصطنع السّريع للأستطيان في فلسطين - ما يحتاجه هذا الكيان من موارد ضرورية لاستمراره. إنعكس ذلك بمحاولاتها الدبلوماسيّة لتغيير الحدود التي رسمتها إتفاقية سايكس-بيكو لتشمل مصادر المياه شمال فلسطين وجنوب سوريا ولبنان (الليطاني، الحاصباني، اليرموك وجبل الشّيخ).
فشلت المحاولات الدّبلوماسيّة قبل قيام دولة الإحتلال لتغيير الخارطة وجاء ذلك بالأساس بسبب الصّراع الداخلي لقوى الإستعمار حيث رفضت فرنسا التنازل عن المناطق الّتي كانت تحت سيطرتها. أدركت المؤسّسة الصهيونيّة القيمة الإستراتيجية لهذه الموارد وصرّحت بأكثر من مناسبة بأنّ توطين المهاجرين اليهود في فلسطين مصيره الفشل إن لم يعتمد على الإنتاج الصّناعي - والإنتاج الصّناعي مصيره الفشل إن لم تتمّ السيطرة على موارد المياه.
في العقود الأخيرة ونظرا لميازين القوى التي سادت في الشّرق الأوسط وقواعد لعبة غربيّة وضعت على الطّاولة والتزم بها أطراف الصّراع في الحدود استطاعت إسرائيل أن تستغلّ بعض هذه الموارد بموافقة غير ماشرة لجيرانها في الشّمال.
تدرك إسرائيل اليوم أنّ تغيير قواعد اللعبة - خصوصا ومع تحرير الجنوب اللبناني والتّدخل المباشر لإسرائيل في الحرب على سوريا - من شأنه أن يغيّر القواعد ويحدّد تدفّق المياه الى إسرائيل (وهو سلاح أكثر ثقلا من المقاومة العسكرية المباشرة) ما قد يشلّ حركتها الإقتصادية ويضرب الحصانة\المناعة الإقتصادية الّتي تستمرّ إسرائيل بالتّباهي بها.
لذا، ونظرا للتصريحات الدائمة لإسرائيل بأنّ أهمية الموارد الإستراتيجية وأهمّها الماء هي برأس سلّم أولوياتها في سياستها الخارجيّة، ونظرا لبنية الحكم الإسرائيلي الذي يسيطر عليه أصحاب الشركات والمصانع التي ستضرب إن تغيّر تقسيم موارد المياه فلا يستبعد أن تتدخّل إسرائيل عسكريا في الأزمة السّورية في حال استمرت انتصارات الجيش السّوري لتستبق تغييرا محتملا في قواعد اللعبة قبل استعادة بناء الجيش السّوري.