الجمعة، 3 سبتمبر 2010

لا تسألوه..


لا تسألوه عن سبب تعقيده لحياته، فهو يحبّها معقّدة، كغلّاية القهوة التي كانت تعدّها أمه لأبيه بعد عودته من العمل.
ينعكس التعقيد أولا وقبل كلّ شيء في أطراف جسده الأسمر الشرقي، الذي كان من المفروض أن يكون ناعما لولا تغطية ندبات ماضيّ قديم كان نحتها بجسده اختيار غير موفّق لوالده بعدم سدّ حفرة، أو تحويط أرض المنزل بسلك شائك من النّوع الرّخيص.
وقد برع والده في الكذب حول اقتناع أهل القرية بالقليل، وحول تلك الأسلاك الشائكة التي لا تؤذي بطبيعتها من هو قرويّ أصليّ، كذب ازداد تعقيدا في كلّ مرّة كذب على أصدقاء جدد أتوا من أقصى الجنوب ليحتسوا فنجان قهوة في أعماق جمال الجليل.. كذب حتى صارت كذبته تلك واقعا - فغالبا ما نكرر الكذب حتى نتقنه، نصّدقه ويصير واقعا، مرسوما على شكل صور في أعماق خيالنا - ونسي الوالد الواهن، المصبوغ بالقوّة والعنفوان بنظر ابنه، أن اعتباره في الأمس البعيد عندما بنى ذلك السّلك، ولم يسدّ الحفرة لم يكن سوى اعتبارا اقتصاديا من الدّرجة الأولى.
كبر ذلك الولد الشّرقي، ومع كلّ ربيع اخر ازدادت حياته تعقيدا ككذب أبيه حول ذلك السّلك الشائك الذي مازالت ندباته تلوّح من على جسده بماضيّ منسيّ.
تعلّم أن يحّب ذلك التّعقيد وتعلّم كيف يترجمه لفنّ من نوع اخر، وقد ساعده مجتمعه الجميل المعقّد على ذلك، فلغته تكاد لا تخلو من التعقيدات بمواضع الحروف الكثيرة، وموسيقاه تزيد الطين بلّة بأرباع نغماتها.. وفي الحبّ الشرقي، الاف، لا بل ربّما ملايين القصائد السرّية التي تنطق تعقيد الحب في مجتمعه.
لا تسألوه عن تعقيده الأعمى، فهو يحب ذلك التعقيد..


Share/Bookmark

هناك تعليق واحد: