الاثنين، 8 أغسطس 2011

خاطرة عن خيام روتشيلد

أثارت خيام روتشيلد الكثير من الجدل والبلبله بين الكثير من فلسطينيي الدّاخل تحديدا، وتكاثرت النقاشات حول واجب المشاركة، خاصّة وأنّها اكتسبت في أعين البعض في مرحلة ما صبغة مغلوطة تقضي بأنه نضال طبقي دبمقراطيّ يحركّه يسار سمّوه بالإسرائيلي.
***
في البقيعة لا نعاني من أزمة المسكن، ففي قريتي الصّغيرة ثلاث سيناريوهات تستطيع من خلالهم التّنبؤ بمصير معظم شباب البلد الذين ليسوا من "العائلات المحترمة" التي تمتلك الكثير من الأراض: فإمّا أن يكونوا جنودا مسرّحين - تهديهم الدولة أرضا من أراضي اللاجئين التي صودرت في ال 48 في "حي الجنود المسرّحين" ليبنوا بيوتهم فوق أنقاض دماء إخوتهم دون تأنيب ضمير كما علّموهم في الجيش، وإمّا أن يكتفوا بطابق اخر - في أغلب الأحيان يرافقه خطر عدم التّرخيص - فوق بيت أهلهم. أو يشتروا شقّة في "معالوت" من إحد اليهود الذين يقبلون ببيع بيوتهم للعرب بعد أن فقدوا الأمل من بيعها ليهوديّ عشوائيّ بسعر مناسب.
***
إن أزمة الروتشلديين هي حقّا أزمة مسكن، ولكنها صراع داخليّ بين المستعمر وذاته لا علاقة للسكان الأصليين به، وحلّها يقتصر على تغيير بعض المتغيّرات في معادلات العرض والطلب المطروحة في سياسة حكومة الإحتلال التي لا علاقة لها بنا نحن - الذين نقع تحت الإحتلال. هل سيمنع هذا التعديل سيناريوهات شباب بلدنا الثلاثة ؟ هل سيوقف هدم البيوت في العراقيب، جتّ-المثلث، مجد الكروم واللد ؟ هل سيتنازل المحتجّون عن يهوديّة الدولة بعد فك الخيام ؟ أشكّ بذلك..
***
حذار من أن نخطئ في التّعريف، فليس نضالنا مع الروتشلديين مشتركا، وليست أزمتنا - نحن فلسطينيي الدّاخل - أزمة مسكن، بل هي أزمة النضال ضد المحتل الذي اغتصب أرضنا وما زال يهتك عرضنا مذ أكثر من ستين عاما. فإذا أمعنا النظر في السيناريوهات الثلاثة المذكورة سالفا، لوجدنا أنها كلّها عوارض للإحتلال. فلم أسمع عن متظاهر في روتشيلد يتظاهر لعدم ترخيص بيته، أو لهدمه.
***
إن نضال شعبنا ضد الإحتلال كان ومازال مستمرّا مذ نصبت أول خيمة في ال 48، ولا أعتقد أن هناك حاجة لصهيونيّ يرقص تحت القمر ليذكّرنا بأننا نعيش أزمة ضد الإحتلال، فبعد أن تنتهي المظاهرات سيعودون كلّ منهم الى بيته، ونحن سنعود الى بيوت تفتقر الى الترخيص - إن لم يهدموها أصلا عندما كنّا نرقص معهم.
***
نضالنا ليس مشتركا معهم، فكلّ الحركات الصهيونية من أقصى يمينها وحتى يسارها تشارك في المظاهرات، ونظرا لأن الرأي العام السّائد هناك صهيوني بجوهره وتنازله عن يهوديّة الدولة خطّ أحمر، فمن شبه المستحيل تغيير نهج النضال الى نهج يطالب بإنهاء الإحتلال والإستعمار (والقصد بالإحتلال الواقع على كامل تراب أرضنا فلسطين).
***
قد يدّعي البعض أننا نستطيع أن نناضل بمحورين منفصلين، الأول نضال ضد المحتل، والثاني نضال لحقوقنا كسكّان درجة ثانية في إسرائيل. وحذار من أن نقع في الخطأ هنا مرّة أخرى، فالنضال واحد، ونضال حقوقنا كمواطنين من درجة ثانية هو ذاته النضال ضد المحتل المطالب بالمساواة التامة المتمثّلة بالغاء يهودية الدولة وتطبيق حق اللاجئين في العودة بالأساس.
***
إن علاقة المحتل-الإحتلال وتقسيم الأولويات في النّضال ضد المحتل ما بين النضال من أجل الحقوق الإجتماعية أي الصراع على الحق في الحياة والنضال الأساسي الهادف لقهر الإحتلال وتطبيق المساواة التّامة والعدالة هامّ وجذري.
إن تفضيل النّضال الإجتماعي وجعله يقف في رأس سلم الأولويات لدرجة تجعل الفلسطيني يتظاهر جنبا الى جنب مع مغتصب شعبه، الذي لا يعترف به أصلا هو خرق لأهم الخطوط الحمراء القليلة التي حافظت على وحدة شعبنا وصموده كما وأن التخلي عن النّضال الأساسي قد يلغي أو يحدد النّضال الإجتماعي على الصّعيد البعيد الأمد ويضفي الشّرعية على سياسات الإحتلال تجاهنا.
***
قد تستفيد بعض الفئات - كطلاب جامعة تل أبيب مثلا - من النضال المزعوم نظرا لسعر الايجار الباهظ، ولكن هذه الفئات لا تمثّل كلّ فلسطينيي الداخل، أو الفلسطينيين بشكل عام. فنسبة صغيرة من الفلسطينيين تسكن بالايجار مقابل أغلبية ساحقه لا يعنيها ارتفاع أو انخفاض الايجار في تل أبيب - فهي تسكن بيوتا دون ترخيص في قراها. فرجاءا، إن أردتم الإشتراك والتخييم لمصالحكم الشّخصية لا تنسبوا تخييمكم الى كامل المجتمع الفلسطيني. فكّروا بغيركم قليلا.
***
أما بالنسبة لاستقطاب الجمهور اليهودي الى نضالنا فلن تستطيع خيمة واحدة إستقطاب مئات الخيام اليها، خاصّة وأن النضال اكتسب بمرحلة ما طابعا صهيونيا بأعلامه وشعاراته الزرقاء والبيضاء.
وقد سمعنا عن محاولة تفكيك الخيمة العربيّة-اليهوديّة في روتشيلد (خيمة 48 - هكذا اسمها ؟) بحجّة تعطيلها "للنضال".. هذا هو نضالكم ؟ تناضلون ليسمحوا لكم بنصب خيمة مع أنكم عرب ؟

باقون في روتشيلد،
ما بقي السوشي والزيتون،


Share/Bookmark

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق