موشيه:
موشيه كان يكره العرب، تجنّد في جيش الدفاع الإسرائيلي قبل سنوات عدّة. يحبّ موشيه اليوم السلام، وقد تعلّم العزف على الة العود لأنه يحب حضارة الشرق - يحب ما تخبأه حضارة الشرق من وحشية خلف نظرات الخجل والأدب.
يتناول موشيه كرسيّ قشّ ممزّق - كان قد اشتراه من عجوز عربية تبيع للسياح مما تصنع لتوفّر لقمة عيشها - ويجلس في زاوية أحد البارات في سوق يافا الذي لا أعرف ما كان اسمه قبل احتلال ال48، ولكني أعرف أنهم يسمّنوه اليوم "سوق هبشبشيم"\سوق الرّابش.
يخرج عوده الخزفيّ من حقيبته، فيلمع في الشمس - تسأله النادلة إذا كان يريد أن يشرب شيئا، فيطلب كأسا من القهوة التّركية، يتناول العود وينظر يمينا ويسارا علّه يرى بعض حب الإستطلاع حول الته الغريبة.
صالح:
يمشي صالح في السّوق، يحاول أن يبحث عن شيئا ما مشترك بين سوق يافا وسوق الناصرة، ولكنّه يفشل. كليهما أسواق مكتظّان بالجلبة وصراخ البائعين، ولكنّ سوق يافا بدا غريبا.
يرى مجموعة من الناس يتجمّعون حول عازف عود يلدغ بمعظم الأحرف، ويعزف الأغاني بطريقة خاطئة، كان يعزف أنصاف النغمات الغربية بدلا من أرباعها الشرقية، فيفقد العزف رونقه.
فجأة، تجلّت الصورة أمام أعين صالح - رأى مجموعة من الشباب والصبايا العرب يرقصون ويغنون مع العازف متجاهلين نشازه وتحريفه للكلمات. صاروا يسمعون اللحن جميلا - لأن العازف أبيض. تساءل صالح ما الذي كان سيفعله نفس الشبان لو وضع أحد سكّان بلدهم كرسيّ قش في "الدّوار" وبدأ يعزف ؟ حتما كانوا سيسخرون منه.
أراد صالح أن يصرخ، أن يتفجر، أن يستعيد العود من العازف - فحضارتنا ليست معروضة للبيع ككرسي القش الممزق الذي يجلس عليه العازف. تذكّر صالح أباه الذي رباه على قدسيّة الموسيقى العربية ورأى بأم عينيه العازف الأبيض الغربي يدنّسها بكلّ وقاحة وفي وضح النّهار وفي سوق يافا الذي لا أعرف ما كان اسمه قبل احتلال ال 48.
ما أن أراد أن يصرخ، حتى علا صوت رون خولدائي (رئيس بلدية تل أبيب) في المنصّه التي خلفه قائلا: "أستطيع أن أقول اليوم بفخر، أن تل أبيب بلد متعدّد الثقافات. أستطيع أن أقول أننا ورغم معاناتنا اليومية من إرهاب الفلسطينيين - ما زلنا نعزف ألحانا يعلو وقعها وقع صواريخ القسّام".