ليس من السهل - أو لربما من المستحيل - أن تكون شابّا حرّا في مجتمعنا، فما أن تشهق أنفاسك الأولى حتى يرسموا لك الخارطة من جديد، خارطة مشى عليها كلّ الشّبان العرب على حد سواء، فتسمع النّساء - أو لا تسمع لصغر سنّك فأنا لا أذكر ذاك الجيل - يبثّون بأم ذلك الرّضيع حدود تلك الخريطة ونقاط الإستراحة وما الى ذلك. ويتكرر الأمر مع كل طفل ذكر عربيّ يولد.
المرحلة الأولى - الطفولة: مرحلة الطفولة هي المرحلة الأولى والأساسية والتي يذوّت بها ذاك الطفل البريء مفهوم الخارطة وأهميته، فيبدأون بتعريفك على شتّى التعابير الكاذبة كنار جهنّم، وشرف العائلة، والرّجل "الأبضاي" كتلك التعابير المستعملة بباب الحارة، ويعلمونك تلك الألعاب التي تتبنى بها إما وظيفة الأب، الإبن، الجد أو العم - وللأسف فليس هناك وظيفة شاب أعزب حر.
المرحلة الثانية- المراهقة: مرحلة المراهقة هي المرحلة التي يبدأ بها الشاب العربي بتطبيق ما تعلمه في المرحلة الأولى، فيتعلّم ألا يتأسف لأحد، وألا يتجنّب القتال وأن يكون رجلا "أبضاي" ببساطة، متعصّب لدينك وعائلتك وتصور لرئيس المجلس الذي سيساعدك يوما ما على اختلاس رخصة عمار للبيت الذي ستبنيه في المرحلة الخامسة.
المرحلة الثالثة- ما بعد المدرسة:ما أن تنهي تعليمك في المدرسة، حتى يتجمّع الأعمام والعمّات، الأجداد والجدّات يباركون بوصولك لأول استراحة في الخرطية بنجاح ويتمنوا لك التوفيق بعبارة "عقبال الشهادة الكبيرة"، في هذه المرحلة عليك أن تحدد، فإما أن تتعلّم وإما أن تعمل، وإن لم تفعل هذا أو ذاك فأنت ولد عاق، وهذا الإنحراف عن مسار الخريطة قد يعتبر أحيانا من أخطر انواع العصيان الذي قد يسبب تفكك العائلة.
المرحلة الرابعة- الجامعة: يتوقع منك الجميع في الجامعة أن تتعلّم موضوعا "يرفع راس العائلة" أي محامي، طبيب، مهندس وما الى ذلك، أما المواضيع الفنيّة تلك التي تبني الحضارة فغالبا ما تعتبر انحرافا عن مسار الخريطة ونتيجتها كنتيجة عدم الزّواج الذي سنتكلم عنه في المرحلة السادسة.
المرحلة الخامسة- ما بعد التعليم: بعد التعليم يجتمع كبار العائلة ليباركوا لك ويدعون لك "عقبال ما نشوفك عريس"، في هذه المرحلة عليك أن تبدأ بإعمار منزلك المستقبلي، بموازاة العمل بعمل لا طموح به، عمل روتيني، يضمن عدم تقدّمك وتفكيرك بشرعية تلك الخريطة التي كانوا بنوها لك. في هذه المرحلة يرقونك لدرجة بالغ ويبدأون بإعلامك بمشاكل العائلة، وتحدّيات المستقبل على المحور الإنتخابي في البلدة.
المرحلة السادسة- مرحلة الزّواج: هذه هي المرحلة الأهم في حياة الشاب العربي، المرحلة التي يضمن بها إستمرار نظام الخارطة. في هذه المرحلة يعطونك مهلة زمنية أو جيل أقصاه 30 سنة عليك أن تجد شريكة حياتك التي تختارها عمّتك كي تتزوجها وتبدأ حياتك، وإن لم تفعل فها أنت تنحرف عن الخريطة بأهم مراجلها ونتيجته فقدان الكثير من المميزات التي يحظى بها المتزوّج بنظام العائلة، وهناك صفات يجب أن تميّز تلك التي تختارها عمّتك، يجب أن تكون عربيّة، تعرف الطّبخ، وتنظيف المنزل وما الى ذلك.
المرحلة السابعة- الأولاد والأحفاد: بعد هذه المرحلة عليك أن تأتي الى هذا العالم بالمزيد من الأطفال وتعلّمهم كيف يمشون بمسار هذه الخريطة ليعلّموا احفادك بعد ذلك. وإيّاك ثم إيّاك أن تنحرف عن هذا المسار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق