في زمان واحد، الحادي عشر من فبراير، السّاعة الحادية عشرة ودقيقتان بالضّبط، سنة ألفين وإحدى عشر ميلادي، حين التقت قصص أربعة من البشر احتفلوا كلّ على طريقته - أو على طريقة خيالي المتواضع - بانتصار الثّورة المصريّة.
1. "نجمة" تهرب من صخابة الإحتفالات بالشوارع الى مدوّنتها الصّماء المفعمه بالضجيج، الى إحدى عمارات القاهرة التي بذكّرني تصميمها الى حدّ ما وبتناقض ساخر بعمارة علاء الأسواني التي تحدّث عنها في روايته، ومن على فرشة صغيرة تعلوها صورة لمالكوم إكس - تسطّر بأناملها اخر كلمات اللايقين، كلمات لا تكتبها لتعلم الشّعب بأخبار الشارع وارائها كما كانت تفعل حتّى ساعات عدّة قبل هذه اللحظة، وكلمات لا توجّهها لجمهور المتظاهرين، بل هي كلمات زغاريد سلميّة تنتقم بشراستها البيضاء من كلّ رموز النّظام المصري الفاسد السّاقط الذي لاحقها وحاول مرارا عديدة اغتصاب مدوّنتها. تكتب "نجمة" الجملة الأخيرة، تضغط زر الإرسال.. وتعود لمصر، وهذه المرّة الى الأبد.
2. لا يعرف والد عبد العزيز أنه يدخن السّجائر سرّا في الحمام، وقد هرب هو الاخر من ضجيج الفرحة والإحتفالات الى الشّقة المقابلة لشقّة "نجمة" في العمارة التي كانت يوما تشبه عمارة يعقوبيان ليدخّن اخر سيجارة في صالون المنزل وعلى الأريكة التي لطالما كانت رمزا لسيطرة والده وقد يعجب قارئنا من التناقض السّاخر في حاله أيضا إذا أعلمته متنبأَ أن والد عبده لن يعود الى المنزل بعد اليوم، فقد هرب هو الاخر مع النّظام.
3. تحتفل ليلى بولادة ابنتها - مع ابنتها - في مستشفى يبعد عن القاهر بضع الاف الكيلومترات.. إنها لا تكترث لاجتماع العائلة حول التّلفاز ومراقبتهم البث الخامس والعشرين لخطاب الإنهزام والتّنحي في الجزيرة، وتجاهلهم رضيعتها الجديدة وهي تنام على أناشيد الشّعب المصري المفعمة بالأمل بدلا من تهاليل شعبهم الفلسطيني المتمرّسة باليأس والإكتئاب.. فقد عرفت قبل برهة أن تزامن ميلاد طفلتها مع التحرير لم يكن محض صدفة، وأن الحليب الذي سترضعه لبكرها لن يكون حليبا عاديّا بعد هذا التزامن الغريب ..
4. أحمد يصلّي ركعته الثالثه في ميدان التّحرير، مرددا هذه المرة سورة من سور الثّورة التي جهد في الاونه الأخيرة على أن يحفظها عن ظهر قلب عوضا عن حفظ سور أخرى كان يوما يعتقد أنها وحدها تستطيع إنقاذه من واقعه التعيس، يدق بجبينه على الأرض، وبنثر ساعده - الذي ازدادت خشونته في الأيام الأخيرة لنقص المياه في خيم الإعتصام - على تراب مصر، ويمتنع عن التعليق لجرجس عن رائحة المشروب التي تفوح منه وهو يحتفل على طريقته في ذات الرّقعة وذات الميدان، فلن يستطيع والد عبد العزيز كسر وحدة المصريين مرة أخرى.
ملاحظة: لا علاقة لصاحب الصورة - إبراهيم عيسى - بموضوع التدوينة بشكل مباشر، ولكني رأيت أنه أحد الأسماء التي لا بد لنا وللتاريخ أن نتذكرها خاصّة في ظلّ انتصار الثّورة المصرية، لأن الشّعب هو الذي أسقط النّظام، والمذكور لم يتوقف يوما عن الايمان بأنه فرد من الشّعب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق