ترجمة لعامود نشره اليوم نبيل شعث في صحيفة يديعوت أحرونوت يرثي بها أمنون ليفكين شاحاك.
نبيل شعث. سلام يا شريك.
عدوّي، صديقي
سيسأل الكثيرون: ما الّذي قد يدفع بفلسطيني لأن يرثي جنرالا إسرائيليّا ؟ والإجابة بسيطة للغاية: أمنون ليفكين شاحاك كان شريكيا بالسّلام، وبقي ملتزما بهذا المسار حتى يوم وفاته.
التقيته في منزله قبل شهر. كان واهنا وهشّا حيث خرج لملاقاتي متّاكئًا على الرّكائز، ولكنّه صان ابتسامته التي عرفتها حسن المعرفه، وقال أنه مصرّ على البقاء حتى تحقيق السّلام. حملتني الذّكريات للقائنا الأول - في سنة 1993 في طابا، مصر.
وصلت طابا بعد القمّة الإسرائيلية الفلسطينية بالقاهرة برئاسة رابين وعرفات. اختارني عرفات كي أكون رئيسا للبعثة الفلسطينية، واختار رابين أمنون في الجهة المقابلة. تصافحنا. ابتسم وقال: "دكتور شعث، في بلادي أنت أكثر شهرة منّي، وأنت تفوقني مهارة بكتابة الخطابات. سأسعد إن إلقيت نظرة الخطاب الذي كتبت للإفتتاح الرسمي للمفاوضات". وفق هذا التواضع الصّادق إفتتحنا المفاوضات. مشينا على شواطئ طابا، ومعا كنّا موضوع الصّورة الشّهيرة: الجنرال والبروفيسور يقودون مفاوضات للسّلام.
عندما عدت الى القاهرة، تلّقيت شرحا حول الجنرال الّذي التقيت في طابا. قيل لي أنه شارك بالإجتياح الإسرائيلي، الذي قتل به بعض أعزّائي المقربين. كان هذا بمثابة صدمة حقيقية. كنّا أعداءا أثناء الحرب، وبات كلّ ذلك حينها قضيّة شخصية للغاية.
قرّرت الإستقالة، ولكنّ عرفات عارض الخطوة وطلب منّي أن أتراجع عنه. صارحت أمنون حول شعوري في لقائنا التّالي، وكانت وردّني ب: "أنا أعرف أنه أمرا صعبا، ولكن لهذا بالضّبط نحن هنا. قتلنا واحدا الاخر بما فيه الكفاية،. حان وقت التّوقّف. أنا هنا كي أضمن حياتنا المشتركة بسلام بدولتين، واحدة بجانب الأخرى".
قضينا ثمانية الأشهر التالية مع طواقمنا محاولين للمرة الحقيقيّة الأولى بتطبيق قرارات أوسلو. تعلّمنا أن نتعرّف واحدا على الاخر بتلك الفترة، وكان واضحا أن التزامه بالسّلام حقيقي وصادق. كان إبنا لجيلا ثالثا من الصّبّاريين حيث عاش جدّه في صفد - وهناك ولدت أنا. كانت المفاوضات قاسية، مفصّل وأحيانا صعبا للغاية، ولكنّنا لم نهجر الطّريق. لم نتنازل. كنّا مصمّمين أن نصل لاتفاق خلال ستّة أشهر.
يديعوت أحرونوت، يوم الأحد \\ التاريخ 23.12.2012 \\ ص 32 - نبيل شعث يرثي قائد الأركان الإسرائيلي السّابق.
تمّ التوقيع على الإتفاق بتأخير أسبوعين فقط. وكان النّهار الأخير صعبا. عرفات، رابين، والرّئيس مبارك، ووزير الخارجية الأمريكي وورن كريستوفر إنضموا الينا. أجرينا الحديث حتى ساعات الّيل المتأخرة، أمنون وأنا استمرينا بالمحادثات حتى ساعات الصّباح، حتى موعد التّوقيع. كانت هناك بعض المطبّات في سيرورة التّوقيع، ولكنّا ساهمنا بالتّغلب عليهنّ، كلّ واحد مقابل زعيمه.
عملنا سويّة كي نطبّق الإتفاق التاريخي، الذي فتح عصرا جديدا من الأمل. غرفات والقيادة الفلسطينية عادوا الى غزّة، ومن ثمّ الى الضّفة الغربيّة. السّلطة الفلسطينية تأسست، واستمرت المحادثات. كان مقتل رابين بمثابة ضربة قاسمة بوجه أمل السّلام، ولكنّنا حاولنا بمساع مشتركة إنقاذ عمليّة السلام، دون نجاح يذكر.
أمنون ترك الجيش، وفي نهاية المطاف الحكومة كذلك، ولكنه بقي مخلصا لالتزامه بالسّلام. لم يفهم حينها ما الذي يقتضيه هذا السّلام المركّب كي ينجح: برنامج حقيقي لدولتين، ما يضمن أمن إسرائيل، ويضمن للفلسطينيين دولة مستقلة وحرّة. مع أنّنا جلسنا في إتجاه معاكس على طاولة الحوار، بحثنا طوال الوقت عن معادلة تكون بمثابة إنتصار لكلا الطرفين.
في لقائنا الأخير بدا أمنون متألّما وقلقا من خسارة الأمل ودعم الرأي العام لحل السّلام، ولكن إصراره للسعي لحلّ لم تنقص. تبادلنا الحديث لساعتين، وزادني تشجيعا بإصراره وقوّة تحمّله. أهديته شتلة خضراء داخل وعاء، وكلانا عبّرنا عن أملنا أن يعيش ليراه يزهّر.
سأذكر أمنون دوما كشريكا في السّلام. وكما وعدته بلقائنا الأخير، سأواصل بمساعي لإحلال السّلام.
***
(1) يديعوت أحرونوت: إحدى الصحف الإسرائيلية الأكثر شعبيّة لدى الجمهور الإسرائيلي.
(2) أمنون ليفكين شاحاك: رئيس الأركان الخامس عشر لجيش الدّفاع الإسرائيلي، شارك بالحكومات الإسرائيلية وزيرا للسياحة والمواصلات. من أهم "إنجازاته" كرئيس أركان: قيادة عمليّة عناقيد الغضب في لبنان وإعلان حزب الله كمنظمّة حرب عصابات إرهابية.
(3) الصّباري: لقب باللغة العبريّة يطلق على اليهودي الّذي ولد في إسرائيل ولم يأت إليها عبر الهجرة \ جيل ثالث للصّباريين أي أن جدّه هاجر بالهجرات الممنهجة من قبل الحركة الصّهيونية الى فلسطين.